القنوات الفضائية السودانية والهوية السودانية....

عندما نشرع في تقييم تجربة القنوات الفضائية السودانية ومعرفة مدي اضافتها او خصمها من (الهوية ) السودانية والتجربة الاعلامية السودانية علينا في البداية ان نستعرض بشكل عام السياسة التحريرية والبرامج وقوالب برامجها بالاضافة الي الكادر كعامل حاسم في مدي نجاح او قصور والقنوات السودانية التي نحن بصدد تقييمها هي التلفزيون القومي وقنوات الشروق و هارموني و النيل الازرق وساهور.
والسوال المحوري لتقييم هذه القنوات هو: هل قدمت هذه القنوات الثقافة السودانية للمتلقي في الداخل والخارج  لن نقول بالطريقة الصحيحة ولكن هل تم البشكل المناسب ؟

لنري هذا الموضوع في هذه المساحة.
اولاً:
التلفزيون القومي
يعتبر القناة الرسمية للدولة  التي تعبر عن سياسة الحكومة وكانت تسيطر علي ساحة البث التلفزيوني قرابة الاربعين عام بموجب قانون يمنع منح تراخيص لاي قناة او اذاعة , تاسالتلفزيون القومي في  ستينيات القرن الماضي وهو بالضرورة تاريخ طويل رفد مع قرينته اذاعة امدرمان الاعلام السوداني بخبراته الضخمة وكوادر متميزة في كافة المجالات.
وللناظر الي التلفزيون السوداني يلاحظ ان مهامه تكاد تكون شبه محصورة في عرض نشاطات للحكومة وكبار المسولين وظل علي هذا الحال منذ تاريخ تاسيسه ومروراً بجميع الحقب وانظمة الحكم التي تعاقبت علي السودان حتي الان ولايعزي هذا الجمود الذي شابه الي ضعف الكادر وانما الي السيطرة الحكومية علي سياسته التحريرية والبرامجية 

الحكومات هي الممول الاوحد للبرامج وتقوم بتعيين المدير والموظفين  لذا نجد الخط العام للتلفزيون القومي مصاب "بمتلازمة" السيطرة الحكومية.
و ويفترض بطبيعة الحال ان يقوم التلفزيون القومي بعكس الثقافة السودانية في الفضاء الداخلي والخارجي كوظيفة اساسية باعتباره جهاز قومي , ولكن بالنظر الي برامجه تراه يعاني من اشكالات وتراكمات تاريخية حول تعريف وتقديم الهوية السودانية لكنه للامانة هو جزء من "كل " ما يعرف بازمة الهوية السودانية وتشاركه في ذلك كل مؤسسات الدولة والمجتمع التي لم تستطع الفكاك من تبني ثقافة الوسط وتصويرها كثقافة جامعة تعبر عن السودان وهي بوعي او بدونه تعمل علي  اقصاء الثقافات الاخري الموجودة .
 شكل ومضمون برامج التلفزيون القومي منذ تاسيسه (1960) لم تتغير كثيراً في كل المواسم والدورات البرامجية وهي تعتمد اشكال ثابتة في طريقة تقديم البرامج الاخبارية والترفيهية والتعليمية ونجد ان النشاط الرسمي يستحوذ علي اكثر من نصف مساحة البرامج .

اما من حيث الكادرالفني العامل حتي وقت قريب لم يكن يتم تعيينهم وفق اسس مهنية تعتمد علي المنافسة الحرة بين المتقدمين وانما تلعب عوامل اخري مثل الواسطة والقرابة من المسولين والحكومة هذا بجانب استقطاب كل الكادر الموجود في الساحة الاعلامية في الصحافة والاذاعة مما افقرها بالاضافة الي الاثر الواضح علي التلفزيون ذاته ولم تدرك ادارة التلفزيون ان نجاح الاعلامي في وسئلة اعلامية لايعني حتمية نجاحه في الاخري 
كما انتهج التلفزيون ولفترات طويلة ابعاد كثير من الكوادر بسبب توجهاتهم الفكرية والسياسية كما انا هناك اخرين ابتعدوا لاختلفهم المنهجي مع سياسات التلفزيون لا سيما اسياسة الدولة فمنهم من غادر البلد وسطع نجمه في محطة اخري واصبح التلفزيون يلهث خلفه ومنهم من هجر المجال الاعلامي ثانياً:
قناة الشروق
حديثة نسبياً وتبث من دبي وتمتلك مقدرات مالية وبشرية ضخمة ، ادارتها غير معروفة في الاوساط  السودانية , وسياستها العامة تقوم علي تقديم الثقافة السودانية للعالم الخارجي وخصوصاً العربي بصورة جديدة علي غرار ماتقوم به القنوات العربية سعياً منها لتقريب السودان للذهن العربي وتحسين صورته التي تم تشويهها من بعض وسائل الاعلام الدولية بجانب اقناع المواطن السوداني بالنقلة والتطور الذي شهده السودان في السنوات الاخيرة ولم يحسه المواطن السوداني من خلال الاعلام الرسمي او لم يتم تقديمه بالشكل الامثل

وقامت القناة  باستجلاب وجوه نسائية عربية ربما ظناً منها المشاهد السوداني يحس بغربة وتجاهل الاعلام العربي له  .
و بالنظر الي ذات العوامل المؤثرة  التي ذكرناها آنفاً ومدي مساهمتها في نجاح اوقصور القنوات السودانية في عكس الثقافة السودانية نجد ان قناة الشروق حشدت كوادر من التلفزيون القومي وجهات اعلامية اخري داخلية وخارجية بمرتبات مغرية لعكس الثقافة المتنوعة لجميع مكونات الشعب السوداني ، واقدام ادارة القناة علي اضافة كوادر نسائية عربية ليعبر عن الثقافة السودانية لهو امر يحمل الكثير من المعاني التي تخصم من فكرة القناة .

ومحاولة القناة في حسم موضوع الهوية السودانية في الاتجاه العربي نجدها قد افرزت اشكالات واسئلة وتعقيدات جديدة حول موضوع الهوية وابعادها كثيراً عن محيطه الافريقي.ما جعل قناة الشروق في منزلة بين منزلتين (التلفزيون القومي والقنوات العربية)
ولا يكاد المشاهد  يميز شخصية القنوات السودانية عن بعضها الا من خلال شعارها والبرامج نسخ مكررة  , واغلب برامج قناة الشروق (حوار علي نار وبيت الهنا واوراق شبابية بالاضافة الي نشرة الاخبار) تتطابق مع برامج التلفزيون القومي ( برنامج الخط الساخن والبيت السعيد وساعة شباب بالاضافة الي نشرات الاخبار ) ما يفرض تسأول حول علاقة قناة الشروق بالتلفزيون القومي ؟ 
وتقدم قناة الشروق  برامج قد تبدو غريبة الشكل والمضمون مثل  برامج (سينما مختلفة والسواعد البيضاء ومحاولة للفهم ) ,واقل ماتوصف به هذه البرامج بانها نقل مشوه لبعض البرامج التي تبثها قنوات اخري معروفة ويري الكثيرون ان قناة الشروق تحاول تقليد قناة الجزيرة بسبب نجاح الاخيرة

اما من جهة السياسة التحريرية لقناة الشروق فهي كما اسلفنا القول اقرب الي الحكومية  من المستقلة. ونري من الضروري علي قناة بضخامة قناة الشروق ان تقوم بدور اعلامي يساهم بشكل فاعل في حماية وصون وحدة البلاد والدعوة للترابط والتواصل بين جميع ابناء السودان ,
و يمكن اجمال القول بان قناة الشروق حاولت تقديم السودان للخارج بشكل جديد ومختلف عن التلفزيون لكن يبقي عليهاالكثير واعادة النظر كرتين لبلوغ مبتغاها .
ثالثاً:
قناة النيل الازرق
برغم تبعيتها لراديو وتلفزيون العرب art  الاانها تقدم رسالة سودانية صرفة وهي تتبع في سياستها التحريرية الي التلفزيون القومي ومديرها يتم تعينه بواسطة ريئس الهئية السودانية للاذاعة والتلفزيون .
وتميل القناة الي البرامج الترفيهية والوثائقية فهي تعالج هذه النوع من البرامج كافضل قناة سودانية من حيث الموضوع لكنها تقع علي في ذات اشكالية وسائل الاعلام السودانية المتمثلة في اغفال بعض مكونات الثقافة السودانية والتركيز اخري

وتجدر الاشارة الي ان قناة النيل الازرق قدمت برامج اسهمت في رفد الساحة الفنية بوجوه جديدة في برامج مثل (نجوم الغد و سهران يانيل ومراجعات غيرها) وربما يرجع هذا النجاح المحدود الي مقدمي مثل هذه البرامج اكثر منها لسياسة القناة.
رابعاً:
قناة هارموني:
قناة سودانية معروفة يملكها المخرج الكبير معتصم الجعيلي ووتقوم فكرتها علي المزج بين جميع مكونات المجتمع السوداني الموجود بعيداً عن الشأن السياسي بشكل مباشر ومع منح فرصة كبيرة وتركيزاً علي التنوع الثقافي والاثني والعرقي للانسان السوداني وقد حققت هارموني نجاحاَ يتناسب مع مقدراتها الادارية والمادية وبتناولها لجميع مكونات الثقافة السودانية يمكن ان تكون فكرة قناة هارموني وصفة ناجحة لقناة ذات ملامح سودانية
لكن مشكلة قناة هارموني تختلف عن سابقاتها رغم شمول فكرتها الا انها تعاني اشكالات ادارية ومالية  حيث يقوم عليها شخص واحد هو مالكها ومديرها العام وصاحب الكلمة في كافة شئونها .

وبحكم طبيعة مديرها العام وبحكم تخصصه في الاخراج فهو غالبا ماينزع الي فرض رويته علي الكل.
وعموم القول فان هارموني من اكثر القنوات السودانية ادراكاً لمتطلبات الرسالة المطلوبة في السودان ويمكنها وباجراءات بسيطة علي سياساتها الاعلامية يمكنها ان تستوعب جميع مركبات وسمات الثقافة السودانية وتعددها الاثني والديني والعرقي.
خامساً:
قناة ساهور وهي قناة ذات خصوصية دينية وتهتم بمدح المصطفي صلي الله عليه وسلم وتجد دعم محبي كبير من جهات رسمية وبعض فئات المجتمع .

رسالتها الاسايسة هي المديح النبوي وبالتالي فهي تختلف بصورة نوعية عن القنوات السودانية السابقة من حيث الشكل والمضمون في رسالتها الاعلامية .
وتسعي ساهور الي باضفاء طابع معاصر علي المديح النبوي بابتداع اشكال لحنية جديدة او اعادة انتاج مدايح في قوالب غنائية من الحقيبة والاغاني المعروفة وعمدت في هذا المنحي الي استقطاب الفنانين الشباب (سودانين وعرب) بمختلف خلفياتهم الثقافية مدارسهم الغنائية .وتتعدد الرؤي حول مدي نجاح او اخفاق ساهور في هذا المجال حيث يري البعض انها نجحت في تقديم المدائح ويري البعض الاخر انها اخفقت كثيراً بل اساءات للمديح والممدوح من خلال تقديم الحان لاغاني هابطة وفنانين لايجدون التقدير من الجمهور حتي في مجال الغناء ولكن يحسب لساهور انها قربت الشباب من المديح باستقطاب بعض الفنانين الشباب كما سعت ساهور الي استقطاب فنانين مصريين مغمورين مما كان له اثر سلبي علي فكرة القناة بجانب عدم قدرتهم علي نطق وترديد كلمات المديح السودانية الموغلة في المحلية
ومايعاب علي ساهور تتوسلها للامراء والحكام وتنظيم  قصائد ومديح دعائية وهي التي ترفع شعار (قناة ساهور لتعظيم المصطفي) كما انها تميل الي تقديم الفنانين اكثر من المادحين المعروفين امثال اولاد البرعي وعبد الله الحبر وغيرهم من الوجوه التقليدية ذات الشهرة الواسعة في هذا الضرب من الفنون
في ختام الحديث يمكن القول ان القنوات الاعلامية السودانية سعت وحاولت تقديم الشخصية السودانية داخلياً وخاريجياً ومنها ما حققت نجاحاً جزئياً واخري اخفقت وثالثة شوهت صورة السودان لدي المتلقي الخارجي وفي مجمل القول فانها تحتاج جميعها الي مراجعة شاملة من حيث الشكل والمضمون مثل كثير من الموسسات السودانية الرسمية وغير الرسمية.
ولكن القاسم المشترك وهو الاهم انها جميعها سودانية تعبر عن الصراع الذي يعيشه السودان حول موضوع الهوية واذا ماوجدت دراسة واعية ومتخصصة يمكنها المساهمة في بصورة فاعلة في طرح الهوية السودانية انطلاقاً من مكوناتها الاساسية المتعددة  و البحث عن قواسمها المشتركة وتدعيمها وابرازها وهي المهمة الاساسية والجوهرية لوسائل الاعلام.





تعليقات

‏قال غير معرف…
أزال أحد مشرفي المدونة هذا التعليق.

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ البشاقرة شرق

امريكا