وادي النيل في ضوء نجاح الثورة المصرية وقيام دولة جنوب السودان

الإثنين, 14 شباط/فبراير 2011 17:40


وادي النيل من نمولي في جنوب السودان الي الدلتا شمال مصرهو الجزء الاهم في حوض النيل ، وكانت لهذه الرقعة الجغرافية ومازالت اهمية كبري علي مر العصور حيث شهدت قيام اعرق حضارات بني البشر وظلت الحضارتين المروية والفرعونية مركزي اشعاع حضاري قدم للبشرية التجارب في نظم الحكم والري و الزراعة والصناعة والفنون ، وصدق احمد شوقي عندما يقول :
لم تنزل الشمس ميزانا ولاصعدت ***فى عرشها الضخم واد مثل وادينا
وفي العقود الاخيرة حظي وادي النيل باهتمام دولي واقليمي كبير بسبب موارده الطبيعية وموقعه الاستراتيجي وتعاظم الامر عندما دقت الامم المتحدة ناقوس الخطر بالكشف عن ندرة المياه ونقصها الحاد المنتظر عالمياً في السنوات القليلة القادمة هذا بجانب اهميته الجيوسياسية للعالم ،لكل ماتقدم لا يُستبعد ان تكون الاحداث التاريخية الاخيرة في مصر والسودان هي اولي طلقات حرب المياه التي يُخشي ان تُحدث مزيد من تفكيك الدول والانظمة واعادة صياغتها داخل الحوض والوادي علي اسس جديدة.
شهدت الفترة من 9 يناير الي 11 فبراير 2011 اعظم حدثين في تاريخ المنطقة العربية والافريقية بانقسام السودان الي دولتين وتغير نظام الحكم المصري ، وهذا يعني انتهاء حقبة طويلة من تاريخ المنطقة استمرت منذ الاستقلال حتي يومنا هذا
اذاً الواقع في وادي النيل يتشكل من جديد بفعل (الثورة والاستفتاء) ودوله تتناقص (حجماً) لتزداد (عدداً) كل هذا يحدث امام بصائر العالمين وايادي الفاعلين تتحقق ثورات ونضالات الشعوب وتختار بنفسها ولاول مرة حدودها الجديدة وحكوماتها الجديدة وانظمتها الجديدة .
ومما لاشك فيه فان هذه المتغيرات الجذرية كفيلة بتنظيم علاقات جديدة (بينية ودولية) ستتبين معها ملامح المرحلة القادمة ومصير المنطقة برمتها من خلال محددات اساسية تنطوي علي مدي استعداد الحكومات والدول لتبني خيارات جديدة مع الحفاظ علي المصالح الدولية القديمة او البقاء علي ماكانت عليه .
تعتبر اتفاقيتي (مياه النيل ) و ( السلام المصرية الاسرائيلية) العمود الفقري لسياسة دول حوض النيل الخارجية في الماضي والمستقبل وتمثل مصر القاسم المشترك في الاتفاقيتين لكنها ليست الطرف الوحيد في ابعادها وتاثيراتها
ويستشف ذلك من تكاثف الغيوم علي سماء الوادي التي جعلت منه منطقة جذب سياسي واصبحت منطقة وادي النيل خلال الاشهر السابقة للحدثين محطة (اثارة) عالية المشاهدة بسبب الثورة والاستفتاء ما يجعل الف جهة تنظر اليها بالفي عين واخري تمد اياديها وغيرها تمدد ارجلها فيجد بعضها مكان ويرجع بعضها الاخر خائباً متحسراً.
نجاح ثورة 25 يناير في مصر واقتلاع نظام مبارك واكتمال استفتاء تقرير المصير و انفصال جنوب السودان هي االاحداث التي غيرت خارطة وادي النيل و الي الابد وادخلت (السودان ومصر والسودان الجنوبي) في مرحلة جديدة ستفضي قطعاً الي واقع جديد في الشرق الاوسط وافريقيا علي كافة المستويات ولا احد يستطيع علي وجه الدقة قراءة الاوضاع في المنطقة قبل استقرار الاوضاع في الدول الثلاث حتي نهاية العام الجاري ستكتمل جميع الاستحقاقات في البلدان الثلاثة
فالسودان يدخل الحقبة الجديدة بوجه مغاير (الجمهورية الثانية) وبرغم ارثه السياسي والاجتماعي وفي ظل التغيير الجذري الذي حدث له بانفصال ثلثه تسعي حكومته الي تجاوز التحديات وتقديم بعض التنازلات لجمع كافة الاطراف السياسية في حكومة ذات قاعدة عريضة في ظل قبول البعض وممانعة البعض الاخر الذي يطالب بنظام حكم عريض وليس حكومة عريضة .
في الوقت الذي يسابق فيه قادة الحركة الشعبية الزمن قبل 9 يوليو لاقامة حكومة وحدة وطنية تشارك فيها جميع احزاب الجنوب لتثبت للعالم والمتشككين في قدرة ابناء الجنوب علي اقامة دولة متماسكة في زمن وجيز
وعلي الصعيد المصري تغير المشهد السياسي بفعل ثورة 25 يناير وخلع نظام مبارك الذي حكم مصر وستلبس مصر مثل السودان حلة (الجمهورية الثانية) وبالتاكيد سيكون للمشهد المصري تاثير عميق في المنطقة العربية سلباً او ايجاباً بناءاً علي شكل الحكومة القادمة سيتحدد نجاح مصر بمدي قدرتها علي تبني اصلاحات سياسية داخلية تلبي طموحات الشعب وتوازنات السياسة الخارجية لتصبح مصر قادرة علي العودة الي كرسي الريادة العربية الذي ظل شاغراً لعقود طويلة .
القلق علي حصة مصر من المياه بالاضافة الي تراجع دورها العربي هي من العوامل التي كشفت عورة نظام مبارك واقتلعته من جذوره بسبب سباحته ضد تيار الشعب علي متن قارب متهالك كانت تقوده الامواج والرياح الغربية حتي وضعته امام شلال الثورة الثائر الذي جندل الربان ورهطه وغاص بهم في بحر النسيان
وعلي المستوي العربي كانت ذات العقلية التي ادارت ازمة مياه حوض النيل حاضرة في القضية الفلسطينة عندما ارتضي نظام مبارك ان يميل بمصر كل الميل ضد ارادة الشعب والامة والضمير باتخاذ موقعاً وسطاً حينما يكون الوسط شذوذاً وانحيازاً والاعتدال خيانة وانتكاساً والحياد جريمة نكراء ولكن مصر مبارك كانت تشتري الاعتدال بالقمح والحياد بالطائرات وهي الغنية بابنائها وقدرتهم التي لم يعيها مبارك الاَ ضُحي السقوط المجلجل لنظامه .
منطقة حوض النيل تتغير بطريقة جذرية ، (السودان ) يسعي لاقامة حكومة ذات قاعدة بعرض ماتبقي من مساحته و معارضته التي تطالب بحكم عريض وليس حكومة عريضة وعلي المستوي الاستراتيجي هناك قلق سوداني حقيقي من تطويق اسرائيل له في راس النيل وزيله ،وفي (السودان الجنوبي ) تبذل حكومته فوق قدرتها المحدودة لاستيعاب كل الاحزاب المتنافرة وكافة القبائل الممسكة بتلابيب المجتمع والسلطة وفق سياستها ورؤيتها للدولة الجديدة .و(مصر ) بعد الثورة تبحث عن ذاتها الضائعة منذ ثلاثة عقود وهي تضع رجلها الاولي في الطريق الصحيح لكنها لم تبلغ النهر بعد ويخشي الا تمكل خطوتها الاولي مع تزايد المخاوف الداخلية من الصراع الحزبي والطائفي حول السلطة والقلق الخارجي من عدم ايجاد جماعة مباركة غير اخوانية تحفظ امن اسرائيل وتشل يد الاعداء عن السلطة.لكن رغم ذلك يظل الامل بادئ من عيون الثورة
تحتاج دول حوض النيل (السودان ومصر السودان الجنوبي ) الي النظر بعمق وعناية الي اوضاعها الداخلية باقامة انظمة قوية تعبرعن( كل) مكوناتها علي اساس العدل والحرية والمساواة والديمقراطية قبل ان تلتفت الي الشأن الخارجي بوجه وضئ يعبر عن سماحة الشعوب وعادتها وقيمها ويحافظ علي ارثها ويرضي تطلعاتها ويعلي من ذاتها الوطنية ويحترم المصالح المشتركة وينزع الي السلام والاستقرار وحسن الجوار .

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

تاريخ البشاقرة شرق

القنوات الفضائية السودانية والهوية السودانية....

ضياع الذات